في الفترة الأخيرة، بدأت الجهود التي تبذلها السلطات الوطنية لحماية البيئة والحفاظ عليها تُظهر آثارا سلبية على العكس من المامول منها، فقد أصبحت الحيوانات البرية مثل الأفيال والضباع وأفراس النهر التي تكاثرت بأعداد كبيرة، تعتدي على المواطنين وتدمر الحقول الزراعية، مسببة بذلك أضرارا مادية كبيرة بالاضافة الى خسائر في الأرواح احيانا في بعض مناطق البلاد، ومن جهة أخرى، يقوم البعض من المواطنين أيضًا بمهاجمة هذه الحيوانات وصيدها بشكل عشوائي، إما لأغراض غذائية أو للاستغلال المادي
في محافظة تانجيلي على سبيل المثال، يُعد تكرار الاعتداء من قبل الأفيال على المواطنين ظاهرة مثيرة للقلق، فقد تعرض سكان بعض القرى للاعتداء في الكثير من المواضع في المنازل والطرقات او أثناء تأدية اعمالهم في الحقول، بالإضافة إلى تدمير مخازن الحبوب السنوية وهدم المنازل، مما تسبب في كارثة كبيرة تركت السكان في حالة من اليأس والحيرة. أما في العاصمة انجمينا فقد سجلت العديد من حالات اعتداءت أفراس النهر على الصيادين وبعض السكان القاطنين في الضفة اليمنى لنهر شاري، خاصة في المناطق الواقعة جنوب شرق العاصمة مثل منجفا.
وفي مناطق أخرى مثل قيرا، والبطحاء، وواداي، ووادي فيرا، فإن الضباع أصبحت تشكل تهديدا لحياة السكان، والوضع يدعو للقلق ويتطلب إيجاد حلول عاجلة من قبل الحكومة، رغم أن وزير البيئة والصيد والتنمية المستدامة قد اتخذ إجراءات عاجلة ومؤقتة الا انها تحتاج إلى حلول جذرية
فيما يخص منطقة تانجيلي، أمر رئيس الوزراء السفير اللاماي هلينا وزير البيئة والصيد و التنمية المستدامة، باتخاذ تدابير عاجلة، خصوصا في دائرة (مانباغي) من الاعتداءات المتكررة للفيلة، حيث تم على الفور إرسال وحدة من فرقة حماية البيئة مزودة بدراجتين ناريتين و150 جهازا صوتيا لطردها، وتُخطط السلطات لإنشاء محمية وطنية في المنطقة أو بالقرب منها في المستقبل، وتأمين ممرات هجرة الأفيال، وهو ما يُعتبر مؤشرا إيجابيا على أخذ مخاوف السكان بعين الاعتبار
أما في المحمية الوطنية سينا أوراي الواقعة في منطقة مايو- كيبي الغربية، فإن الغطاء النباتي والحيوانات البرية تتعرض لتدمير واسع النطاق بسبب الاستغلال غير القانوني للتنقيب عن الذهب، ورغم تدخلات كل من السلطات المحلية وحتى الوطنية، ومنها زيارة وزير سابق للمناجم برفقة خبراء من وزارة البيئة في عام 2014 إلا أن الظاهرة لا تزال مستمرة، وفي بعض الأحيان، تتم عمليات صيد للحيوانات البرية، إما لأغراض مالية أو بدافع الرغبة في استهلاك لحومها
رغم محدودية الموارد المتاحة، ومن الواجب ضرورة توعية السكان بالنصوص القانونية المتعلقة بحماية الحياة البرية، ولكن من جهة أخرى، تقوم بعض الفئات من السكان بإلحاق أضرار جسيمة لا تُقدَّر بثمن بعناصر الحياة البرية، فقد قامت مجموعة من الصيادين غير الشرعيين مؤخرا بقتل عدد كبير من الزرافات في المحمية الوطنية زاكوما بولاية سلامات، و اغتيال موظفة في وحدة المياه والغابات، وتعرض عدد من زملائها لجروح، وفي هذا السياق، قام الوزير بزيارة ميدانية عاجلة لمكان الحادث لمعرفة ملابسات الحادث، وفي اطار ذلك إصدر وزير البيئة توجيهات صارمة لحماية الحياة البرية، كما تم نقل الموقوفين إلى انجمينا لمحاكمتهم
وبالنظر إلى ما سبق، يبرز سؤال جوهري حول مدى معرفة أو جهل السكان بالقانون رقم 023 لعام 2023 الذي أقره المجلس الوطني الانتقالي، والذي ينظم ويؤطر جميع الأنشطة المتعلقة بحماية البيئة في جمهورية تشاد، هذا القانون يحتاج إلى الترويج له على نطاق واسع، مصحوبا بحملات التوعية الشاملة بحيث تستهدف العالم الريفي وموظفي الحماية البيئية، الذين يجهل كثير منهم مضمون هذا القانون بسبب الأمية أو الإهمال
إن التوعية المسبقة من شأنها أن تمهد الطريق للعمل الوقائي والحد من تكرار هذه الصراعات، وقد يتساءل البعض ساخرين: حماية البيئة هذه التي تأتي على حساب الإنسان، في مصلحة من تتم؟ لعل تجربة بعض الدول الافريقية وخاصة بوتسوانا التي تعتبر مثالا يمكن أن يُحتذى به، حيث قررت الحكومة هناك في خطوة جذرية بالقضاء على 20 ألف فيل من أجل الحفاظ على التوازن البيئي، بعدما تكاثرت هذه الحيوانات بشكل غير قابل للسيطرة، وذلك رغم احتجاجات المجتمع الدولي
عبدالعزيز عبيد يعقوب